التنظيم الخاص بالعقود الذكية المبرمة عبر تقنية البلوكتشين (سلسلة الكتل).
محمد أبو قلبين
22 سنة
فبراير 13, 2022
4
(4)
التنظيم الخاص بالعقود الذكية المبرمة عبر تقنية البلوكتشين (سلسلة الكتل).

إن عالمنا الذي نعيشه في الألفيات الأخيرة كان قد مضى عليه العديد من المحطات الفارقة على معادلات سيره المعتادة و التي أدت بدورها إلى الكثير من الأحداث ذات التأثير الممتد، فبالتأصيل التاريخي سنجد بأنه في تارة من الزمن نهضت محطة الثورة الزراعية، من ثم التجارية، ومن ثم الثورة الاقتصادية، وأخيراً المعلوماتية وما بعدها وصولاً إلى التكنولوجية، ولعل الثورة التكنولوجية التي تعايش مضامير حياتنا اليوم هي ما أفضت إلى خلق الفارق ما بين الماضي وما بين الحاضر، ومن ما كان قد أحدث فارقاً حقيقياً سابقاً هو الاتصال الشبكي العنكبوتي والذي كان قد عُرف بالإنترنت، وهو ما بدوره كان قد خلق جدالاً واسعاً حول العقود التي ستستوعبها العمليات التي تتم عبر الإنترنت، كالعقود المبرمة عبر مواقع التواصل أو المتاجر الإلكترونية، إلى أن توصلنا لإيلاج عقد مستحدث عن طبيعة العقود التقليدية المبرمة بناءً على التواجد المادي الذي يربط الطرفين وعرفناه بالعقد الإلكتروني.

ولكن هل ما نقصد به العقد الذكي هو ذاته العقد الإلكتروني؟

بالتأكيد لا، ففي ظل حديثنا عن التقدم الإلكتروني غير المسبوق كان عالم الإنترنت ينتفض على تقليدية الأمور ليخرج لنا من صلبه تقنيات أخرى ليست أقل غرابة منه في أولى إنطلاقاته، ولعل أبرز تلك التقنيات التي تولدت عنه هي تقنية البلوكتشين وبالعربية (سلسلة الكتل) والتي تعرف بأنه قاعدة بيانات موزعة تحافظ بإستمرار على قاعدة متزايدة من سجلات البيانات ضد التلاعب أو التعديل حتى من جانب المشغلين، من مخزني البيانات في العقد،  فيمكن اعتبار سلسلة الكتل كدفتر عام لجميع المعاملات التي يتم تنفيذها فهي تتزايد  بإستمرار ككتلة كاملة يتم إضافتها للكتل السابقة المكونة للسلسلة والأهم

من ذلك أن الكتل يتم إضافتها للسلسلة بشكل خطي في تسلسل زمني، ولعل هذه التقنية يُعزى في ظهورها إلى تنشئة العملة الرقمية الأشهر ( البيتكوين BTC)

فبسبب حداثة هذه التقنية كان قد استلزم أن ينشأ معها نوع من العقود التي يلائمها وهو ما أفضى إلى خلق العقد الذكي حيث حيز الوجود؛ والذي لنا أن نعرفه بأنه ” ” عقد من عقود ذاتية التنفيذ تبنى وتبرمج في إطار شبكة توزيع لامركزية تنظم شروطها وأحكامها العلاقة بين البائع والمشتري( قد لا يعرف أحدهما الآخر )دون الحاجة لوجود سلطة مركزية ( طرف ثالث) فهي قابلة لتوفير الثقة لكونها غير قابلة للتراجع في قيام الطرفان بتنفيذ المعاملات وفقاً لشروط وأحكام التعاقد ”

وكون  العقود الذكية ذاتية التنفيذ؛ يعني أن اتفاق الإرادتين في العقد الذكي لا يمكن إيقاف إجراءاتها  بمجرد تلاقي الإرادتين عليها؛ الأمر يجعل من العقود الذكية أقل في التكلفة لعدم احتياجها للعنصر الثالث كالمحامي أو الوسيط أو السمسار أو الموثق، نظرا  لاستقلالية هذه العقود، فإن العقد الذكي هو أكثر من مجرد تبادل إلكتروني (بسيط) للبيانات ، بل هو تشارك في بلورة “اتفاق طوعي” تعاقدي، من خلال أتمتة عملية لتحديد هوية الأطراف حتى بدون علمهم، تماماً مثل معاملة الشراء المنجزة عبر نقطة بيع ،   في المراكز التجارية.

ومثلاً في التطبيق على الوقع، أي عند قيام شخص بشراء قطعة أرض من شخص آخر يقوم بالدخول على السجل الخاص بقطع الأراضي والذي قام جميع الأفراد المشتركين في تقنية البلوكشين بتسجيل ممتلكاتهمم عليه بصورة علنية للجميع، ويقوم بشراء قطعة الأرض التي يريدها من صاحبها الحالي، وهنا تتيح سلسلة الكتل أو هذا السجل الموزع عالميا بين الأفراد أن يتابع جميع التحركات التي تمت على هذه القطعة وتاريخ انتقالها من مالك إلى آخر، حتى وصولها إلى المالك الحالي، وإذا ارتضى الطرفان يقوم المالك الحالي بنقل الملكية للمالك الجديد من خلال نفس السجل، وهو ما يظهر لجميع الأفراد أن هذا الطرف قام بنقل ملكية قطعة الأرض إلى الطرف الجديد، ولا تحتاج بعد ذلك للتوثيق لدى السجل العقاري أو للتتبع لدى الحي؛ حيث يشارك الملايين من الأفراد حول العالم بتوثيق هذه المعاملة التي تتم داخل السجل، وجميع الأفراد الذين قاموا بعملية التعدين يحصلون على نسبة من التوثيق، لكنها أقل بكثير من جهات التوثيق التقليدية مقابل ما قاموا به من جهد في ضمان أمن المعاملة من خلال التعدين.

و من تطبيقات العقود الذكية الرهانات والضمان، والحقوق الرقمية، وتطبيقات العملة الرقمية، مثل :التجارة الإلكترونية،والدفع المالي، والتحويلات، والإقراض المباشر :شخص لشخص، والتمويل الأصغر، وتطبيقات الضمانات :مثل الأسواق الخاصة، والديون، والتمويل الجماعي، والمشتقات المالية، وتطبيقات حفظ السجلات مثل :الرعاية الصحية، وسجلات العناوين، والتصويت والانتخاب، والملكية الفكرية.

وفي ظل حديثنا حول العقود الذكية يُصار بنا أن نبحث التأصيل القانوني لها وهو كما سنفرد تباعاً..

كان قد ثار الخلاف حول ما إذا كان العقد الذكي، يتسم بمواصفات العقد التقليدي لنضفي عليه صبغة العقد أو  أنه مجرد ألية إجراءية كجزء من عقد قائم بصورة سالفة عن هذا الإجراء، فذهب رواد من الفقه اللاتيني ليرى بأنه عقد حيث أنه يمتلك شروط التعاقد، وأنه مستوفي لأركان العقد الموضوعية من حيث التراضي، والمحل، والسبب، كما ومنفذ لإلتزام قانون وحتى لو كان فوري دون وسيط، أما عن الفقه الأنجلوسكسوني فيرى عكس ما كان قد رأه الأول، ويوصح بأن ما يكلق عليه عقد ذكي ما هو الا سلسلة اجراءات متتابعة عبر تقنية حديثة توثق تباظل المعلومات وتنجزها دون ان تجتمع فيه صفات العقد التقليدي كان ام الإلكتروني، وصراحةً في ظل عد استطالة القواعد القان نية لتلك المتلازمات من الحداثة سنجد بأن النصوص القان نية ليست جاهزة بعد لأن تعتبر هذه الصيغة بعقد لاسيما بأن تلك التقنية هي الأساس الذي تقوم عليه العملات الرقمية والتي كان قد حُظر التعامل بها من الانظمة البنكية العالمية لتأثيرها هلى طبيعة النقد المالي وعدم امكانية الدول من رصدها وفرض الرقابة عليها، وفي ظل قوانينا الاردنية سنجد بأن تشريعاتنا على اختلافها لم تتطرق لتلك المسائل وقواعدنا القانونية ليست جاهزة لإستقبالها، الا ان الإستراتيجية الرقمية الاردنية لسنة ٢٠٢٠ كانت قد تطرقت الى ان البلوكتشين والعقود الذكية هي من الامور التي تطمح الدولة الاردنية الى استخدامها في قطاعات عامة.

وما ابتغيناه في مقالنا هذا، هو ان نوضح لجمهور القراء الكرام بأن التطورات الإلكترونية ستنقل كوكبة العالم الى محطات اكثر تعقيداً واشد تطوراً وما يجب ان يصدر منا هو الإستعداد لها.

How useful was this post?

Click on a star to rate it!

Average rating 4 / 5. Vote count: 4

No votes so far! Be the first to rate this post.

أحدث المقالات