كنت أرتدي فستانًا أبيضًا بدا جميلًا في عين الجميع ماعدا عيني؛ لأنّني كنت أعلم بالمصائب الّتي ستنهال عليّ بعد ارتداء هذا الفستان المنحوس! كنت أحلم بهذا اليوم في صغري، ولم أكن أعلم بأنّه سوف يأتي بهذه السّرعة الفائقة، فأنا ما زلت في الثّانية عشرة من عمري. لم أكن أعلم أيضًا بأنّ أسرتي ستتخلّى عنّي بهذه السّرعة، لقد باعوا حياتي وسعادتي إلى رجلٍ لم أقابله من قبل! استبدلوني كما لو كنت مثل البضائع في السّوق! شعرت وكأنّ لم يكن لديّ هويّتي الخاصّة… اسمي فاطمة وهذا هو الشّيء الوحيد الّذي أملكه الآن، لأنّهم أخذوا منّي كلّ ما أملك! أنا الآن مثل السّجينة في منزل لا أعرفه مع رجلٍ لا أعرفه. وهذه هي حياتي الآن مرهونة لرجل لست مهتمّة به، سوف أفتقد طفولتي الّتي عشت منها لمحة بسيطة…نعم مجرّد لمحة صغيرة، كما لو كنت في قطار مسرعٍ أنظر من نافذته فألمح غصن شجرة… آه على أحلامي الضّائعة فأنا لا أستطيع التّفكير بالأحلام بعد الآن، لأنّ السّجناء لا يمكنهم تحقيق أحلامهم! قبل شهر من زفافي، أخبرتني عائلتي بأنّهم سيعقدون صفقة مع عائلة ثريّة ليأخذونني مقابل منزل أكبر من المنزل الّذي نعيش فيه…أنا بالتّأكيد لم أوافق لكنّ والدي لم يهتمّ بما أقول. واتّفق سبعة من أشقّائي، لكن شقيقي الثّامن لم يوافق. لقد كان الأخ الأقرب لي في العائلة، وهو الوحيد الّذي يمكنني أن أكون صادقة معه وأكون مرتاحة حين أحدّثه عمّا يدور في رأسي. ولسوء الحظّ فقد كان الأخ الأصغر في عائلتي لذلك لم يهتمّ والدي لرفضه ومعارضته لزواجي.
في اليوم التّالي ذهبت مع أخي إلى السّوق حتّى أتمكّن من شراء الملابس الجديدة للعائلة، وهذه كانت عادتنا السّنويّة، لأنّنا لا نستطيع شراء الملابس في أيّ وقت نريد. سألت أخي بينما كنّا نسير، “أنا خائفة جدًّا بعد أن أصبحنا فقراء، تغيّرت حياتي بشكل كامل بعدها وبعد أن أنجبت أمّي ثلاثة أطفال آخرين، كان يجب أن تراهم قبل ذلك، كانت ابتسامة أمّي لاتغادر وجهها ولكنّنا الآن لا نراها أبدًا”. ثمّ قال أخي: “لا تقلقي سأظلّ دائمًا هنا من أجلك حتّى لو أُجبرتِ على الزّواج من ذاك الرّجل”.
بعد التّسوق لساعات حصلت في النّهاية على كلّ ما نحتاجه. عندما وصلنا إلى المنزل أرادت أمي أن تخبرني شيئا، وكنت متوتّرة جدّاً، وتمنّيت أن يكونوا قد عادوا أخيراً إلى رشدهم وأدركوا أنّهم سيظلمونني حين يأخذون ذاك القرار المغفّل. لسوء الحظّ لم يكن هذا هو الشّيء الّذي أرادت أمّي أن تخبرني به، فبدلاً من أن تخبرني أنّني لا زلت طفلة وأنّهم لن يتركونني فقد أخبرتني بتاريخ زفافي، وفجأةً لم أعد أستطع الوقوف على ساقي من الخبر الّذي سمعته.
وبعد تسعة وعشرين يوما ودّعت طفولتي وأخي الصّغير؛ لأنّني لم أكن أعلم إذا كنت سأراهم مرّة أخرى. أنا فقط في الثّانية عشرة من العمر وقد مررت بالكثير من المواقف السّيئة، وآمل أن أكون ذكيّة بما فيه الكفاية للخروج من هذا الموقف الّذي لا يُحتمل. قبل أن أخرج من غرفتي جلست وتساءلت في نفسي كيف سوف يكون شكله… كيف سيكون ذاك الرّجل! وهل سيكون لطيفا معي؟ كيف سيكون منزله؟ ولكن الأهمّ سألت نفسي هل يعتبر نفسه “رجلا!!”، فكيف يمكنه أن يوافق على هذا الشّيء؟ ثمّ جفّفت بسرعة الدّموع الّتي كانت تنهمر على خدّي ومن ثمّ خرجت من الغرفة كأنّه كان آخر يوم في حياتي! نعم، لقد كنت ضحيّة لعادات مجتمعيّة لا ترحم!